شهوة التسوق.. أم متعة التسوق؟

Publié le par Mohammed Nadhir

 تطل علينا الإعلانات كل دقيقة بما هو جديد ومثير وتتوالى عليك العروض على البضائع المختلفة، إذا ما دخلت لتبحث عن شيء فى محلات السوبر ماركت لتخرج لتجد نفسك تحمل الكثير من البضائع، ونصفها على الأقل لم يكن في خطتك أن تشتريها لتلتهم جزءًا لابأس به من ميزانية البيت ومرتب الشهر .... وللأسف كل ماحولك يدعوك للشراء تحت مسمى متعة التسوق، وكأن التسوق أصبح من ضمن وسائل الاستمتاع مثله مثل القراءة والرياضة.

وهذا بالفعل ما تقوله بعض الفتيات الصغيرات عندما تسألها عن كيفية قضائها لوقت فراغها أو هوايتها المفضلة، فتقول بكل ثقة أحب أن أمشي وأشتري في المول ...هكذا أصبح الشراء والذي هو وسيلة للمعيشة لما تستلزمه أمور الحياة من ضروريات إلى مجرد هواية تستنزف الأموال وتقتل الوقت. ولاتقتصر متعة التسوق هذه على  الكبار؛ بل العدوى انتقلت إلى الأطفال أيضًا، فأصبح الطفل الصغير بمجرد أن يتعلم المشي يطلب المال ليذهب ليشتري وهو لايعرف بالتحديد ماذا يريد أن يشتري، ولكنه فقط يريد أن ينزل ويتجول بين البضائع.

وقد يكون الطفل الصغير لايدرك معنى الشراء، ولكن بالتأكيد إذا ترسخت بداخله تلك الفكرة وخاصة إذا وجد كل ماحوله يدعوه للتسوق والشراء ستتحول إلى شهوة للتسوق والشراء. هذا يتطلب منا أن نعود من جديد لمعنى الشراء الأصلى والذي يعني شراء ما تحتاجه الآن في حدود ما تملكه الآن ..

 وماتحتاجه الآن لابد أن تراعي فيه أيضًا ما أحتاجه جدا وما أحتاجه بدرجة أقل وهكذا ..وهذا يعني أنه عليك أن تتوقف قليلا قبل أن تدخل للشراء لتسأل نفسك هذه الأسئلة ..ماذا سأشتري؟ وهل هذا هو ما أحتاجه بالفعل؟ وهل يمكن تأجيل بعض الاحتياجات أو الاستغناء عنها لوجود ما يماثلها في البيت؟

 لقد حكت لي صديقة كانت تتجول مع صديقة أخرى من هواة متعة التسوق في إحدى المحلات الفخمة والمكتظة بكل ماتتخيله ومالاتتخيله، وفى نهاية الفسحة (السوبر ماركتية) وقفت لتدفع مبلغ 500 جنيه قيمة المشتروات، وبالطبع منعها الخجل أن تراجع مع البائع ما اشترت أو فاتورة الحساب المدفوعة، وعندما عادت للمنزل وجدت أن من ضمن ما قامت بشرائه طعامًا للكلاب وهي لاتملك كلبًا من الأساس. بالطبع حدث هذا لأنها كانت تلقي بكل ما يقابلها من بضائع في السيارة الكبيرة التي تجرها أمامها وهي تنظر بافتخار لمن حولها بما تحمله من بضائع .....

وطلبتني صديقة ذات مرة لتخبرني عن إحدى المحلات المشهورة بما تقدمه من عروض على بضائعها بأسعار مغرية، وذهبت بالفعل إليها لأجد أن البضاعة التي عليها خصم أوعرض أمامها عشرات من البضائع الأخرى التي فوق ثمنها الأصلى بضعة قروش لتعوض الخصم السابق.

 وهكذا نقع جميعا ضحية للتاجر الذي يعرف كيف يحصل على مكسبه جيدًا من جيوب الزبائن الذي يظن كل منهم أنه اشترى بسعر مخفض ليقف الجميع أمام الخزينة ليدفع تلك المبالغ لأنه ببساطة اشترى الكثير من البضائع الأخرى وهو يستمتع بمتعة التسوق ...

ورحم الله الفاروق عمر عندما تضجر من صاحب له كان يسير معه ويشترى بكثرة، فلامه عمر وغضب منه وقال له: أو كلما اشتهيته اشتريته؟ هكذا كان منطق عمر فى الشراء ليس لمجرد اشتهاء الشيء، ولكن للاحتياج للشيء.

 فماذا لوذهب عمر اليوم إلى إحدى تلك المحلات ليرى السلات والعربات المكتظة بالبضائع والتي أصبح الآن قبل بناء المتجر يطلب صاحبه من المهندس أن يراعي المسافات الواسعة حتى يستطيع الزبون أن يستمتع وهو يتجول بالمحل ويشتري بضاعته في أطول وقت ممكن يكفي لتشطيب ما في الجيوب.

 بل هناك المتاجر التي تخصص للأطفال عربات يركبوها أثناء تجول الوالدين داخل المتجر حتى لايزعجونهم بصراخهم، فيضيعوا عليهم متعة التسوق بالإضافة طبعًا إلى الجراجات الواسعة والتي يحملك الأسانسير بسهولة ويسر داخل المتجر لتشتري ماتريد دون أن تتعجل خشية المرور أو السير بما تحمله لمسافة طويلة ..

إذا كل ماحولك معد خصيصًا للقضاء على ماتحمله من مال لتعود لتملأ الثلاجة بما اشتريته من بضاعة قد تنتهى صلاحيتها أو تتلف قبل أن تأكلها وربما تنساها بالمرة داخل الثلاجة، فلمصلحة من تذهب تلك الأموال؟ وما الذي يجعلنا نقع فريسة لهذه المتعة المزعجة التي تهدر المال والوقت؟ ألا ينبغى أن ننتبه لتلك الشهوة الجديدة ونقاوم إغراءها قدر ما نستطيع؟ ألا يستلزم منا أن نعلم أولادنا كيف يحافظون على أموالهم ليشتروا ما يحتاجوه ويدخروا ما يفيض من مال؟ كيف تنهض بلاد مثل بلادنا العربية اقتصادها مدمر وشعوبها تهوى الشراء وتشتهي التسوق؟

أيها الشباب هل أتى الوقت الذي تقف فيه بقوة أمام تلك الشهوة ولاتسمح لأحد بخداعك؟ هل وقفت مع نفسك قبل أن تذهب لتشتري وتقول لن أشتريإلا ما أحتاجه فقط؟ إنك إذا فعلت هذا ستكتشف بنفسك ما يمكن أن توفره من مال دون أن تقع ضحية لشهوة التسوق .

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article